أيتها الأرض
ما أجملك أيتها الأرض !وما ابهاك !
ما أتم امتثالك للنور !وأنبل خضوعك للشمس !
ما اضرفك متشحة با الضل !وما املح وجهك مقنعا با الدجى !
ما أعذب أغاني فجرك !وما أهول تهاليل مسائك !
وما أكملك أيتها الأرض !وما اسناك !
لقد سرت في سهولك ،وصعدت على جبالك ،وهبطت إلى أوديتك ،وتسلقت صخورك ،ودخلت كهوفك ،فعرفت حلمك في السهل ،وأنفتك على الجبل ،وهدوءك في الوادي ،وعزمك في الصخر ،وتكتمك في الكهف ،
فأنت آنت المنبسطة بقوتها ،المتعالية بتواضعها ،المنخفضة بعلوها ،اللينة بسلابطها،الواضعة بأسرارها ومكوناتها .
وفي الليلة الصافية قد فتحت نوافذ نفسي وأبوابها ،وخرجت أليك مثقلا بمطامعي ،مكبلا بقيود أنانيتي ،فألقيتك شاخصة بالكواكب وهي
تبتسم لك ،فنزعت عني قيودي وإثقالي ،وعلمت أن منزل النفس فضاوك ،
ورغائبها في رغائبك ،وسلامتها في سلامتك ،وسعادتها في الغبار الذهبي الذي تنثره النجوم على جسدك .
في الليلة المبطنة بالغيوم ،وقد مللت غفلتي وجمودي ،خرجت اليك فوجدتك جبارة هائلة مسلحة با العاصفة ،تحاربين ماضيك بحاضرك ،وتصرعين قديمك بحديثك ،وتبعثرين ضئيلك بضليعك ،فعلمت أن نظام البشرية نظامك ،وناموسهم ناموسهم .
ما أكرمك أيتها الأرض !وما أطول اناتيك !
ما اشد حنانك على أبنائك المنصرفين عن حقيقتهن من أوهامهم ،
الضاعين بين ما بلغوا اليه وما قصروا عنه !
نحن نضج وأنت تضحكين .
نحن نجدف وانت تباركين
نحن نكلم صدرك بالسيوف والرماح ،وأنت تغمرين كلومنا با الزيت والبلسم .
نحن نزرع راحاتك العظام والجماجم ،وانت تستنبتينها حورا وصفصافا ،
نحن نستودعك الجيف ،وانت تملئين بيادرنا با الاغمار ،ومعاصرنا با العناقيد .
نحن نصبغ وجهك با الدم وانت تغسلين وجوهنا با الكوثر .
نحن نتناول عناصرك لنصنع منها المدافع والقذائف ،وانت تتناولين عناصرنا ،وتكونين منها الورود والزنابق .
ما أوسع صبرك ايتها الأرض !وما اكثر انعطافك !
ما أنت ايتها الأرض ومن أنت ؟
أنت بصري وبصيرتي ،أنت عاقلتي وخيالي وأحلامي .
أنت جوعي وعطشي ،أنت ألمي وسروري ،أنت غفلتي وانتباهي .
أنت الجمال في عيني ،والشوق في قلبي .والخلود في روحي .
أنت إنا ايتها الأرض فلو لم أكن لما كنني.